الخميس، 30 أبريل 2020

كنت أعرف



-          لم أجد مبرراً للكذب ... صدقني ... لقد حرصت علي قول الحقيقة.
بالطبع، لا يوجد مبرراً للكذب، أنا أعلم .... لم تكن تحتاج أبداً أن تخبرني بذلك، فليس أمراً ذو شأن ... لن يتوقف عليه شيء، لن تتأذي بسببه علي كل الأحوال سواء قلت هذا أما أخبرتني بغيره ... لن يؤثر عليَّ من أية ناحية، إنه بالفعل ليس بالأمر الخطير، والذي قد تحتاج من أجله إلي الكذب.
-          مثلما أنت تعرف ... لقد أخبرني هو بذلك.
نعم، أتذكر هذا الأمر، لقد أخبرني هو بذلك فعلا، ولكنني لم أعرف البقية إلا منك.
ابتسم وبدت عليه علامات الإرتياح، فلقد اطمئن إلي أنني قد صدقت روايته، التي أخبرني إياها بكافة تفاصيلها وأحداثها، بل ... لقد أعادها بأكثر من طريقة وبنفس ذات التفاصيل ... مراراً وتكراراً.
فقط ... لم يكن يعلم أنني أعرف، نعم ... إنني أعرف الحقيقة، التي لم يرويها ... كنت أعرف منذ البداية أنه يكذب، تعجبت كثيرا من أداءه وثقته فيما يقول واعتزازه بنفسه وهو يخبرني، بل ... لقد أعجبت به كثيراً، أنت بارع ... لن أجعلك تتوقف ... انك تبهرني ... استمر.

هكذا حادثت نفسي، ناظراً في عينيه، معطياً له كل الوقت المطلوب كي يسرد فصول المسرحية كاملة ... مصغيا له بإهتمام ... مبتسماً في وجهه ... رافعاً له القبعة ... مصفقاً له من حين لأخر في أعماقي ... متأملا، كيف ... كيف يمكن للإنسان أن يصل إلي تلك الدرجة من المهارة في الكذب؟ سألت نفسي.

إن أردت أن تكذب وكان هدفك أن يصدقك الناس، فما عليك سوي أن تكذب أنت أولاً علي نفسك ... فلتقنع نفسك أولا ولتكرر فيما داخلك بأن كل ما قلته حقيقة، فلن تستطيع أن تقنع أحداً ما لم تقم بإقناع شخصك أولاً بذلك، وان حاولت قبل ذلك فلن تقنع أحداً.

وأما وان قمت بذلك فلسوف تدافع عن كذبتك بإستماتة، لن تقبل أن ينعتك أحد بالكاذب، فأنت الأن تقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، لم تعد أكاذيب بعد الأن.

لماذا نحتاج إلي الكذب؟ ها قد عدت شارداً أسأل نفسي، غير منتبه لما يقول ... نعم، لماذا؟ للخروج من مأزق؟! ... للوصول لهدف ما ؟! ... أسباب كثيرة ... أما هو فلم يكن يكذب لشئ ذو قيمة، إنه الكذب من أجل الكذب.

قد يحتاج بعضنا إلي الهواء كي يتنفس ويعيش، وقد يحتاج الأخرون إلي الكذب كي يثبتوا لأنفسهم أنهم مازالوا علي قيد الحياة.

فالتنفس بالنسبة إليهم ليس الدليل علي وجودهم.

لو لم أكن أعرف، أقولها وبكل صدق ... لكنت صدقتك ولزاد رصيدك لدي أضعاف مضاعفة، بل ... لحكيت لكل شخص روايتك، ولجذبت بكذبتك إليك فوق محبيك مئة أخري من المحبين، مقتنعاً بأن لا حقيقة سوي ما أخبرتني به.

ولكنني يا صديقي ... ولسوء حظك ... كنت أعرف.

بيتر الياس
30 أبريل 2020