السبت، 2 فبراير 2019

المخادعان


لم يكن سمة شيء جديد في حياة هيثم نبراوي ... تشابهت أيامه ... فمنذ استيقاظه في السابعة صباحاً للذهاب إلي عمله ... ورجوعه عند الخامسة ... ثم لقاءه أصدقاءه علي المقهي المجاور للمنزل عند السابعة مساءاً ... نهاية بذهابه للنوم في الثانية عشر منتصف الليل من كل يوم.
لا جديد، فكل الأيام تتشابه
-          لماذا لا أجرب شيئاً جديداً
دار ذلك في ذهن هيثم نبراوي واستمر يفكر
-          عمل .... لعب علي المقهي كل يوم ... ماذا أستطيع أن أفعل خلاف ذلك؟
قد يكون لمن هم في منتصف العشرينات كعمر هيثم نبراوي بعض الأهداف، التعرف علي فتاة ... التحضير من أجل زيجة في المستقبل ... الحصول علي مزيد من التعليم ... والكثير، أما هيثم نبراوي فلم يكن من ذلك النوع من الشباب.
-          حسناً ... أحب أن أضحك وأتسلي أكثر ... هذا هو مقصدي.
إرتسمت علي وجهه ابتسامة، فقد عرف وجهته.
في اليوم التالي وعند لقاءه بأصدقاءه بادرهم بما جال بذهنه من أفكار ليلة أمس، وما ان سرد التفاصيل حتي ضحك أصدقاءه محمود ومازن وكريم، وبعدما انتهوا قال محمود:-
-          إذن فأنت تريد أن تدخل علي غرف الدردشة متحدثاً وكأنك فتاة؟!
أومأ هيثم نبراوي رأسه إيجاباً، فعقب كريم قائلاً:-
-          فكرة قديمة للغاية، أأنت متأكد من ذلك؟
أومأ هيثم نبراوي مرة أخري ايجاباً، فما كان من كريم إلا أن واصل قائلاً:-
-          وتريد أن تجعل أحدهم يقع في حبك؟ ما أسوأ حظ هذا الشخص ... سيقع في حب أبو شنب.
ضحك الجميع أكثر من المرة الأولي، وهنا قطع مازن الوصلة قائلاً:-
-          لماذا لا نزيد من الفكاهة، وليكن أن تطلب مقابلة هذا الحبيب، ولنري جميعاً ما في وجهه من بؤس حينما يراك.
لم يستطع الأصدقاء الأربعة تمالك أنفسهم بعدما قام مازن بإضافة موضوع المقابلة للفكرة الأصلية، وبعد برهة قال محمود:-
-          وماذا تقترح أن يكون اسم الحسناء؟
فعلق مازن مبتسماً
-          سوسن
وقال كريم
-          ربما رحاب أو فاتن أو ...
أشار هيثم نبراوي بيده مستوقفاً كريم:-
-          فاتن، فليكن هذا هو الاسم.
وهنا جمع هيثم حاجياته واستأذن منصرفاً وهو يقول:-
-          دعوني أذهب الأن، فالحكمة تقول ...
وابتسم مرة أخري مستكملاً:-
-          لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد.
تركهم هيثم ومازال أصدقاءه غارقين في نوبة من الضحك لا تنقطع، وبعد دقائق قليلة كان قد وصل إلي منزله، فما لبث أن فتح جهاز الكمبيوتر وبدأ الدخول لغرفة الدردشة مستخدماً حساباً جديداً بإسم فاتن، واضعاً صورة للممثلة سكارليت جوهانسن.
في مجتمعاتنا ليس غريباً أن يستقبل هيثم نبراوي بعد كل ذلك أكثر من عشرون دعوة للدردشة في أقل من ثلاثون دقيقة، كان عليه أن يختار من منهم يكون فريسته، وفي النهاية استقر به المطاف لقبول الدعوة من شخص يضع صورته ، وقد ظهر منها أنه ما قد يكون أقرب إلي الثلاثينات، بوجه دائري فاتح البشرة وعيون سوداء.
لمعت عينا هيثم وبدأ التعرف علي ضحيته.
في اليوم التالي ذهب هيثم يقص ما حدث إلي أصدقاءه قائلاً:-
-          اسمه شريف ... هههههههه ... 31 عاماً ويعمل مهندساً ... وبالطبع أخبرني أنه ليس متزوجاً.
ضحك الجميع واستمر هيثم في الحديث عن تلك الدردشة ... وكيف اخترع قصة عن فاتن ذات ال 25 عاماً، تعمل مهندسة ديكور ... وليست مرتبطة.
أنهي هيثم حديثه سريعاً معللاً ذلك بأنه علي موعد للحديث مع شريف.
وبالفعل استمر هيثم في تأدية دور فاتن، محاولاً التقرب لشريف بهدف استكمال لعبته.
ليس من الصعب في مجتمعاتنا أن تستميل فتاة شاب أو العكس، فالأغلب أن يقع الشاب أو الفتاة في غرام الطرف الأخر ... خاصة وان لم يكن لديهم من التجارب والخبرات ما يجعلهم ينتظروا التوقيت والشخص المناسب، فالاحساس بالاحتياج يكون عاملاً والتحرر من الأسرة قد يكون عاملاً أخر، حتي ان لم يري الشخص الطرف الأخر، فنجد أننا نضع مواصفات فتي أو فتاة أحلامنا علي الشخص الذي نتحدث إليه ونجعل منه الشخص المثالي كشريك للحياة.
استمرت الدردشة بين فاتن وشريف في موعدها لأيام، يضحك من خلالها هيثم نبراوي كل يوم من بلاهة شريف
-          كيف يمكن لك أن تتحرق شوقاً لإحداهن، وحتي وان لم تسمع صوتها قط ... أراك الأن لا تنام وتتمني لو كنت أمامك"

ضحك هيثم نبراوي مجلجلا وهو يقول هذا أمام شاشة الكمبيوتر، ثم استكمل قائلاً:-
-          أعتقد أن الوقت قد حان الأن.
بعد ذلك وعند أول لقاء جمع بين هيثم نبراوي وأصدقاءه قص عليهم ما يحدث وكيف يأنس شريف له وان لم يمر علي تعارفهم أكثر من سبعة أيام، وكيف أن شريف قد أفصح له عن اعجابه بفاتن.
هنا تدخل مازن قائلاً
-          تقصد اعجابه بك.
كانت جلسات الضحك لا تنتهي بين هيثم نبراوي وأصدقاءه بعدما بدأ هيثم تلك الخدعة، وازداد ضحكهم مع الوقت خاصة وأنهم قد اقتربوا من مقصدهم.
-          هل طلب رقم تليفونك؟
هكذا قال محمود موجهاً حديثه إلي هيثم نبراوي، الذي أجاب:-
-          نعم حدث ذلك، ولكنني رفضت بالطبع.
نظر مازن إليه مبستماً وقال:-
-          قطعاً ... فأنت من أسرة محافظة.
قهقه الجميع مرة أخري، إلي أن قال كريم.
-          فلتطلب مقابلته إذاً.
واستطرد مازن قائلاً:-
-          ولنذهب معك جميعاً ونري من وراء الستار، كيف يستقبل الأبله حبه لعبد الجبار!!
إنفجر الجميع ضاحكين مرة أخري كالعادة، واتفقوا بعدها علي جعل المقابلة يوم الأربعاء في كازينو الأمراء، ووعد كريم بحجز طاولة بالكازينو عند الثامنه في اليوم المنشود.
وبالفعل أبلغ كريم صديقه هيثم نبراوي برقم الطاولة بعدما قام بحجزها.
وعند أول محادثة بين فاتن وشريف، أقرت فاتن عن مبادلتها نفس مشاعر شريف، هذا وقد اقترحت عليه اللقاء، ولكن جاء الجواب بالرفض نظراً لإلتزامات شريف في ذلك التوقيت.
لم ييأس هيثم من المحاولة والإلحاح إلي أن وافق شريف في النهاية قائلاً أنه سيحاول تأجيل كافة مواعيده ذلك اليوم للقاء فاتن في الزمان والمكان، علي الطاولة التي حجزها كريم.
جاء اليوم المنشود ... تجمع الأصدقاء وتعمدوا الوصول 20 دقيقة متأخرين إلي الكازينو، وما أن وصلوا حتي قال هيثم نبراوي وهو يكتم ضحكة هاربة:-
-          ها هو ينتظرني ...
تمالك نفسه واستكمل قائلاً:-
-          فلتكونوا علي مقربة مني ... حتي وإن حاول الإشتباك معي، فتحولون أنتم دون ذلك.
أومأ الجميع بالموافقة، وهنا قال محمود.
-          حظنا السيئ ... فهو يجلس وظهره لنا ... كيف سنستطيع أن نري وجهه الأن؟ وما هذه القبعة العجيبة التي يرتديها؟؟
أجابه هيثم نبراوي:-
-          دعك من هذا الأن ... سأذهب إليه وأجعله يقوم مُظهراً وجهه لكم.
تقدم هيثم بخطوات بطيئة نحو الطاولة، يمني النفس بمشهد لا ينساه طيلة حياته.
هنا وصل هيثم نبراوي إلي الطاولة ... وقف وراء كرسي شريف الذي لم يكن يظهر منه إلا القبعة... خفق قلبه جدياً وراحت أنفاسه تتسارع لأول مرة منذ بدأ هذه اللعبة، وأثناء ذلك ربت علي كتف شريف مرتين قائلاً:-
-          شريف؟؟
إنتفض شريف من الطاولة وما إن قام واستدار حتي رأي هيثم نبراوي أمامه شيئاً لم يكن يتوقعه ... شريف لم يكن إلا فتاة تتمتع بملامح قريبة من ذات الصورة الموضوعة علي غرفة الدردشة، ذات العين ولون الشعر والبشرة واستدارة الوجه، ولكنها أجمل في شكل فتاة، نظرت إليه الفتاة مدهوشة قائلة:-
-          فاتن؟؟
صعق أصدقاء هيثم نبراوي من الموقف الغريب، ولم يستطع أحداً أن يتحرك.
بالفعل وكما تمني هيثم فلن يمحي هذا أبداً من الذاكرة، وحينما تمالك هيثم نبراوي نفسه قال وهو ينظر إلي الفتاة:-
"للجميع الحق في التسلية، ومن خدع يُخدع"
تمت
بيتر الياس
2-2-2019

هناك 4 تعليقات: