الثلاثاء، 17 مارس 2020

قتل مع سبق الإصرار


إنطلق صوت هاتفي المحمول بالنغمة المعتادة وعلي مقربة من يدي كان قابعاً، فما كان صعباً علي أن أقوم بإلتقاطه لأنظر إلي شاشته الملونة وأجد رقماً غريباً ليس من ضمن الأرقام المسجلة لدي. أسرعت وفتحت الخط لأسمع الصوت الذي لم أكن أتوقع أن أسمعه مرة أخري في حياتي.

-         ألوو ... إزايك؟

هذه هي الكلمات الأولي التي نطق بها صاحب الصوت ولم يكن غريباً أن أجيب أنني بخير حال رغم إندهاشي من تلك المكالمة، في الحقيقة لم يكن الصوت لرجل ... بل لفتاة عرفتها منذ عدة سنين .. إنها الحبيبة والصديقة والأخت ... بل وصدقني قولاً إن أضفت الأم أيضاً، التي لم أتوقف لحظة عن حبها رغم تركها لي منذ زمان يجعل من غيري ينسي ويحب ويعيش أفراحاً أخري ... أما أنا فلم أكن هذا الرجل، ورغم كل ذلك الحب إلا أن صوتي بدا عليه الحزن وعدم الرغبة في الحديث إليها ... بل وأيضاً محاولة إنهاء المكالمة سريعاً ... فأنا لا أريد أن أبكي، فكفاني بكاءاً.

-         ممكن تديني رقمك الأرضي عشان أتصل بيك؟؟

هكذا قالت وإنتظرت بعدها الرد مني لبرهة ... فقد كنت غارقاً في تلك اللحظة في الذكريات واسترجعت الأيام الأولي التي لم يكن في حقيبتها سوي مدونة أرقام واحدة تحمل أرقامي ... المحمول ... المنزل ... العمل، وحتي أقاربي وأصدقائي المقربين، فها هي الأن تلقي بمدونتي في بئر عميق ولم يعد في ذاكرتها سوي رقم هاتفي المحمول الذي تذكرته بصعوبة بالغة، فلم تكتفي فقط بأن محت تلك الأرقام بل وحذفت سجلي وتاريخي كله من حياتها.
تذكرت كيف كنت أحاول الإتصال بها مراراً وتكراراً إلا أن النتيجة ذاتها ما كنت ألاقي وهي أن هاتفها مغلقاً، وبعدها عرفت أنها قد استبدلت هذا الرقم خصيصاً كي لا أتمكن من الإتصال بها.
حتي هذا لم يمنعني أنا أعطيها رقمي مرة أخري، وما هي إلا ثوانٍ لأجد هاتفي يعلن عنها.

-         اتصلت بيك عشان أسلم عليك

وها هي كعادتها تعطي لنفسها حقاً  سلبته مني قهراً، أن تسأل عني ... وأما أنا فلا يحق لي ذلك ... وقتما تريد تتحدث إليّ وتطمئن علي مجنونها، أقصد عاشقها ... وأما أنا فقد قتلني الشوق إليها أياماً وأيام، ليالي طويلة عشتها متمنياً أن أعرف كيف حالها وتمنيت لو تشفق علي نفسي لأسمع صوتها ... ولكن هيهات. فالقلق هو قدري والشوك هو دمعي والموت أخرتي، فمن يشعر؟؟ ... ومن يهبأ؟؟ وصاحبة الشأن ذاتها لا تكترث.
فهل أقول لها أنني أيضاً تمنيت كثيراً أن أعرف أحوالها؟؟ .. أم أجعلها تظن أنني لم أعد أفكر حتي فيها؟؟ .. لم يسعني سوي شكرها علي ما أنعمت علي به، فكرامتي تقتلني بعدما قتلتني هي ... ولم تكتفي بذلك، بل ومع سبق الإصرار شجعت كرامتي للنيل مني والإنهاء علي ما تبقي فيّ.

-         تعرف يوم ما صاحبتي كلمتك وقولتلها إنك مش بتحبني خلاص، أنا كنت موجودة عشان كان لازم أتأكد منها بنفسي، كنت هعمل عشانك المستحيل.

مع سبق الإصرار كانت تلك الكلمات البراقة المزينة بحروف من نور، فعلي أفعالٍ لم أرتكبها اتهمتيني ... وجاء الوقت كي تحاكميني، أصدقك القول أنكِ ستفعلين من أجلي كل شئ، ستتركينه من أجلي وترجعين إليًّ. ولكن كيف؟؟ الأن تحاربين من أجلي؟؟ وفي الماضي كنت أحارب وحدي ... تتمسكين بي بعد أن أصبحتِ مع غيري ولم تستطيعي حتي النظر إلي حينما كنت معكِ. ألا تتذكرين أنني فقط من حاول الإبقاء عليكِ؟؟ فرغم أنني كنت أشعر كل لحظة أنكِ لم تحبيني إلا أنني كنت دائم التشبث بكِ ولم أكن يوماً جزءاً من أحلامكِ، فقد قلت أنكِ لم تحبيني ولكني أقسم بحياتي الأن أنكِ لم تحبيني ولن يكون هناك يوماً قادماً تحبيني.
أبعد كل هذا تتحدثين إلي لكي تريحي ضميرك .. فأنتِ لستِ المذنبة الأن وأنا سبب فراقنا؟! أكان علي أن أقدم فروض الولاء والطاعة؟! وعلي أيضاً أن أقيد بذات السلاسل إلي الأبد؟! ... ولما لا ؟؟ إن أردتِ أن أكون يمينا أكون ويساراً لو أشرتِ أذهب ... فقط قولي وحركي السلسلة من يدكِ ... ألا تشعرين؟؟ ألم يكفيكي رفض حبي ما بين ليلة وضحاها مع سبق الإصرار؟؟ أما يكفيكي ما سلبتيه من حبي، فما وجدت الأن شيئاً قد أقدمه لغيركِ.
نعم لم يكفيكي ... فأنا القاتل والمذنب .. يا للسخرية
ماذا أجيب وماذا أقول؟؟ فقد كنت في الماضي أعرف ما يدور داخلك حتي قبل ما أن تتحدثي وأما أنتِ فلم تعرفيني.
فقد كان سهلاً عليكِ أن تخططي وتنفذي وتمسكين بسكين وفي حبي تذبحي، يكون ذبحا وقتلاً في حبي مع سبق الإصرار ... فكفاني ما نلته ... صدقيني فلن أجيب .. وسأغلق أيضاً هاتفي.

بيتر الياس
5 مايو 2008

السجينة



معصبة العينين ... مقيدة اليدين ... حبيسة الجدران ... هكذا فعلوا بها ... من رآها في الماضي شهد بجمالها، ولطفها، وطيبتها .. هذه هي المشكلة ... طيبتها، حيث استغلوها وأوهموها وساروا بها ... إلي أن قيدوها ... لم تدري هي كم من الزمن مر وهي علي هذا الحال ... فقط تسترجع الذكريات، منذ زمان حينما قالوا عنها أنها من أجمل الجميلات في العالم .. غنية ورغم ذلك كله متواضعة وعطوفة ... حتي أنها لم تمنع يدها عن مساعدة صديقتها الإنجليزية حينما احتاجت إليها ... زمن مر وإنتهي ... ربما لن يعود ... أين هم أحبائي وأصدقائي؟ هكذا رددت بداخل نفسها ... لماذا هي وحيدة الأن؟ كان أهل البلدة يعرفونها جيداً ويعرفون أنها سجينة ملك الظلم ... لم يستطع أحد أن يواجهه كي يحررها من أسرها ... إلي أن جاء اليوم المنشود ... اليوم الذي سمع فيه القدر لأناتها الحزينة ... جاء الكثيرون من كل صوب واتجاه لتحريرها من يد الباطشين ... أقسم أهل البلدة علي أنها لن تكون أسيرة بعد اليوم ... حاصروا المكان ... وصرخوا بصوت واحد ... سمعهم ملك الظلم ... خاف وفكر ماذا يفعل؟! ... لقد خطط لأن تكون أسيرته ومن بعده أسيرة إبنه ومن بعدهم أحفاده، فكيف يتركونها؟! استغرق ملك الظلم في التفكير ... من جاءوا وحاصروه، قطعاً سيقتلوه ... لا مفر ... سيتركها لهم ... نادي ملك الظلم علي كبير الحرس كي يساعده ... ما لم يدركه ملك الظلم، أن كبير الحرس ومن معه من حراس يكرهون إبنه ولن يتركوها له من بعده ... ولذلك عقد الحرس الصفقة فيما بينهم وبدلاً من أن يخرجوه ... اسجنوه ... ليس وحده، بل وكل من معه ... خرجوا بعدها كي يعلنوا للمحاصرين أنهم حرروها ... أمسك كبير الحرس بيدها اليمني، ومساعده بيدها اليسري، ولكن ما اهتم أحداً منهم بأن يزيل العصبة عن عينيها ... قادوها وسط الجماهير الفرحة.
سعيدة هي رغم وجهها المكفهر ... تعطش للحرية بعد ما عانته طوال السنين من مرٍ وأنين، ولكنها قلقة ... أما حررتوني؟! ... اتركوا يدي ... انزعوا عني هذه العصبة ... أريد أن أري ... ولكن هذا لم يحدث.
أيها الناس ... ها قد حررناها، ولكننا لا نعرف بأي مكان سوف تذهب لتقيم ... هكذا قال كبير الحرس ... انقسم الحاضرون ... الفريق الأول قال بصوت عالي ... اتركوها ... فلتقرر هي مصيرها ... يكفينا أننا حررناها ... الفريق الأخر والذي كان معظمه من أصحاب اللحي صرخوا ... نحن من يستطيع حمايتها ... سلموها لنا ... وفريق ثالث قليل العدد سأل عن ملك الظلم قائلاً ... أين هو ملك الظلم؟ ... إنها له ... أعيدوها إليه.
ليست هكذا تدار الأمور .... هكذا كان رد رئيس الحرس، والذي تابع قائلاً ... لقد ظلت حبيسة لسنوات طويلة ... لم تعرفكم كما تعرفونها ولن نستطيع أن نتركها لأي منكم هكذا ... نحن حراس البلدة وحماة هذا المكان، ونعرف معني الديمقراطية ... وما تعلمناه أنه يجب أن نقترع علي مثل هذا الأمر ... إما أن نتركها طليقة وسطكم، أو نسلمها لذوي اللحي كي تقيم معهم ويحموها ... هكذا انقسم المحاصرون للمرة الأولي، ما بين مؤيد لحريتها، وما بين معارض يري أنها يجب أن تقيم مع ذوي اللحي كي يحموها ... هم يعرفون أنهم أهل دين ... يعرفون الله ويعرفون كيف يصوننها، هكذا كانت الدعاية بين أهل البلدة حتي أنهم اقتنعوا بذلك ... لكن الفريق الأخر كان مؤمناً بعكس هذا ... فقد كانوا يرون أنها يجب أن تُحرر، وأن ذوي اللحي ما يعرفون عن الدين شيئاً ... فلن يصونوها أو حتي يحموها.
ظل الجدل دائراً بين أهل البلدة حتي حان وقت الاقتراع ... وقام الجميع بالتصويت ... وكان الجواب أن تسلم إلي ذوي اللحي، وألا يتم تحريرها الأن ... لم يصدق الفريق الأخر ما حدث ... ألم تحاصروا معنا ملك الظلم حتي نحررها؟ كيف هذا والأن تنادون بأن تأسروها مرة أخري؟ أيها العقلاء ... لماذا لا تجيبونا؟ أيها الحراس ... لقد خلقها الله حرة وعلي يديكم تم تحريرها من ملك الظلم ... لماذا تسلموها الأن وهي مكبلة اليدين، ولا تري ما يدور حولها؟!
هباءاً ذهبت أصواتهم، خاصة بعدما رأي جزء كبير من مثقفيهم أن ذوي اللحي هم الأفضل في الوقت الحالي ... فقد خافوا بأن يحتفظ رئيس العسكر بها لنفسه ... وتيقنوا بأن فريقهم هو الأضعف ... والحل في نظرهم هو تسليمها لذوي اللحي.
رئيس العسكر ممسكاً بيدها اليمني، ومساعده بيدها اليسري، معصبة العينين ... مقيدة اليدين ... حبيسة البلدة ... يتم تسليمها لذوي اللحي ... إبتسامة خبيثة علي وجه رئيس العسكر ومساعده ... إبتسامة أكثر خبثاً علي وجه قائد ذوي اللحي.
لقد كان بديعاً في المظهر وهو يتسلمها، وسط الفرحة العارمة من معظم أهالي البلدة ... أخذها هو وأتباعه ... أيتها الجموع ... اليوم فقط حررناها .. هكذا قال قائد ذوي اللحي ... سنرفع عنها عصابة العين ... سنحررها من قيودها ... ستمشي وسطكم فرحة سعيدة ... تصفيق حاد من الناس علي كلام كبير وقائد ذوي اللحي ... أما هي ... فلم تكن تدرك ماذا يحدث، ولم تفهم ماذا يفعلون بها ... ولكنها ظلت صامته.
سار بها ذوي اللحي بين الناس وسط التهليل، إلي أن وصلوا إلي المنزل ... وما أن وصلوا ... حتي بدأ كبيرهم بالضحك، ومن بعده أتباعه ... وفجأة ... مد كبيرهم يده إلي جسدها يتحسسه .. انتفضت هي ... حاولت الإبتعاد عنه ... كان ذوي اللحي يحيطون بها من كل جانب ... أمسكها كبيرهم بسهولة ... فهي لا تري ولن تستطيع الهرب ... وضع يده علي صدرها ... لم يصدق الكثيرون من أهل البلدة ما يحدث ... مرة أخري جلجلت ضحكات ذوي اللحي، وفي ذات اللحظة، وضع كبيرهم يده علي كتفها ممسكاً بطرف فستانها ... شده بكل غضب الدنيا، فنزع جزءاً مما يسترها ... لم يهدأ ... أمسك بالبقية ونزعه عنها حتي عراها ... للمرة الثالثة سمع الجموع قهقهات ذوي اللحي ... أخذ كبيرهم يضمها إليه رغماً عنها ... قام بتقبيلها ... لم يكتفي ... بل قام بإغتصابها أمام عيون الجميع ... خرجت عن صمتها ... صرخت ألماً وحزناً ... رأي الجميع دموعها، رغم أنهم لم يروا عيونها.
لم يرحمها ذوي اللحي رغم توسلاتها .. اغتصبها كبيرهم ومن بعده تناوب عليها أنصاره ... حدق الجميع في مشهد لم يروه أو يتخيلوه حتي في أسوأ كوابيسهم ... شعر مثقفي الفريق الأخر بالعار، فقد ناصروا هؤلاء معتقدين أنهم بذلك يحررونها ... اتجهوا لفريقهم مرة أخري وإنضموا إليه ... ولكن ... بعد فوات الأوان.
ظلوا يصرخون ... توقفوا ... توقفوا .... اتركوها
كنت معهم ... نظرت لأهل البلدة ... أغلبهم إنضموا لنا الأن ... ناشدتهم ... هلموا ننتفض ونطالب بتحريرها ... هباءاً ذهبت صيحاتنا ... قررت الذهاب لذوي اللحي ... في الطريق شاهدت وجوه غريبة ما عرفتها في البلدة قط ... ولكن هذه المجموعة هناك كانت معنا ... ذهبت إليهم ... قلت ... إنهم يغتصبونها ... أجابوني وهم يخلعون سراويلهم ... نعم، نعم ... نعرف ... نحن أيضاً سنفعل ذلك ... فلم نعرف النساء يوماً منذ ولادتنا ... لقد وجهوا لنا الدعوة وأخبروا أيضاً القري المجاورة كي يأتوا ... ها نحن جميعاً في الإنتظار.
هزمني المشهد ... الآلاف من الرجال في طابورٍ طويل ... جميعهم خلع سراويله وينتظر دوره كي ينقض عليها ... أدرت ظهري لهم جميعاً، وبكيت علي تلك الجميلة ... أمنت أنها لم تكن ثورة رجال ... بل ثورة عار ... العريان منهم اغتصبها .... والبلطجي كمم أفواهنا ... والشاطر استغل الفرصة ونهب أموالها.
استرجعت المشهد ...
معصبة العينين ... مقيدة اليدين ... حبيسة ذوي اللحي وإخوانهم ... مغتصبة ... ذليلة ... منكسرة ... هكذا أصبح حالها.
تيقنت أن تحريرها من هؤلاء لن يكون أبداً بالعويل والصراخ، بل بالرجال ... هل في البلدة من رجال؟؟؟؟؟؟؟
تمت

بيتر الياس
25 ديسمبر 2012

الكورونا



لم يكن يوماً عاديا في حياة شريف وبسمة ... فهم الأن وبأمر من الحكومة المصرية تحت الإقامة الجبرية أو ما يطلق عليه حظر التجوال ... لم يكن شريف وبسمة الوحيدين ... بل جميع المواطنين داخل الدولة ... ليست الدولة المصرية وحدها ... بل قل معظم دول العالم ... فلم تكن أخبار انتشار فيروس كورونا وتصنيفه علي أنه وباء عالمي من الأخبار السعيدة علي البشرية، وخاصة وأنه فصيلة جديدة من الفيروسات سريعة الانتشار والغير معروف دواء لها حتي الأن.
شغل شريف وقته بقراءة كتاب وعلي مقربة منه اجتهدت بسمة لتقطيع بعض الخضروات علي الطاولة المجاورة، وفي تلك الأثناء أغلق شريف الكتاب فجأة وسألها قائلاً:
-          تفتكري يا بسمة ممكن أكون حامل ...
نظرت بسمة بدهشة إلي شريف وبدون أن تنتظر منه أن يكمل جملته أجابت:
-          حامل؟! حامل ايه يا شريف؟! سلامة عقلك يا حبيبي.
-          يا ستي سيبيني بس أكمل ... أنا أقصد، تفتكري ممكن أكون حامل للفيروس؟
-          أي حد فينا ممكن يكون حامل للفيروس يا شريف ... مش انته لوحدك، لكن ليه السؤال ده؟
نظر شريف إلي عيني بسمة وحدق بها ثم أجاب:
-          أنا بس خايف عليكي مش علي نفسي.
ضمته بسمة إليها في حنان ثم قالت:
-          متخافش علي يا حبيبي ... أنا هكون دايماً كويسة طول ما انته جنبي.
قبلته في حنو، فقال وقد أفلت منها:
-          تفتكري هنموت يا بسمة؟
-          ليه كده بس يا شريف! ... مالك النهاردة؟ احنا ملتزمين بإجراءات وزارة الصحة وان شاء الله الموت بعيد عننا يا حبيبي.
-          احنا لازم هنموت يا بسمة، هنوت بالفيروس أو هنموت من غيره ... كله اسمه موت ... لكن أنا أقصد تفتكري هنموت من الجوع؟
بسمة في اندهاش
-          من الجوع؟!! واحنا عندنا كل الأكل ده وتقول هنموت م الجوع؟
ابتسم شريف قائلاً:
-          الأكل ده مسيره يخلص يا بسمة ... لو الأزمة استمرت مش هيفضل أكل لا عندنا ولا عند غيرنا.
-          كفالله الشر ... هما يومين وكل حاجة ترجع زي ما كانت ... متفولش يا شريف.
-          لو حسوا اننا ملناش لازمة هيضحوا بينا يا بسمة.
-          مين دول يا شريف؟
-          الكبار.
-          اللي هما مين.
-          محدش يعرفهم ... لكن في ايدهم كل حاجة في حياتنا.
متسائلة:
-          طب والناس اللي محدش يعرفهم هيضحوا بينا ازاي وليه يا شريف؟ مالك يا شريف النهاردة ... انته مش عاجبني خالص يا حبيبي.
-          هحكيلك علي قصة ... تسمعي عن سفينة العبيد سونغ؟
في إندهاش
-          لأ ... ايه ديه؟
-          هقولك ... ديه سفينة كانت مملوكة لنقابة الرقيق في ليفربول ... المهم يا ستي سنة 1781 كانت في رحلة عبر المحيط الهادي وكانت محملة مجموعة كبيرة من العبيد ... وفي أثناء الرحلة اكتشف الكبار اللي عليها ان المية مش هتكفي كل الموجودين طول الرحلة وعشان هما خافوا ان العبيد ممكن يموتوا م العطش وهيتحمل أصحاب العبيد تكلفة موتهم ... اللي هما أصلا مأجرينهم عشان يحافظوا عليهم فقالوا احنا نرميهم البحر والتأمين هو اللي يدفع تمنهم لأصحابهم ... وفعلا رموا 132 عبد في البحر... واتعرفت بعدها في التاريخ باسم مجزرة سونغ.
توقف شريف برهة ضاحكاً:
-          الكبار ... لو شافوا مفييش منك رجا هيضحوا بيكي وفي الأخر برضه هيطلعوا كسبانين ... في المجزرة ديه وبعد ما قتلوا 132 واحد التأمين دفعلهم الفلوس بتاعتهم.
بسمة في قلق:
-          اهدا يا شريف ... ده زمن غير الزمن.
-          لأ ... البني أدم واحد ... بنجاسته ... وطمعه ... وكرهه ... متغيرش ... اللي زاد بس سلطته وانه بقي مفتري أكتر.
-          طب بس فهمني يا شريف مين الكبار؟ وليه يعملوا كده؟
-          مش مهم هما مين ... المهم، ان الكبار بيخلونا نزرع ونتعب ونكدح وياخدوا أكلنا ع الجاهز ... ينزلونا نبني ونعمر ونرصف، ويسكنوا هما ... يشغلونا في المصانع عمال ونصنع وننتج وياخدوا هما الإنتاج .... في الأخر احنا مبناخدش حاجة غير اللي هما عاوزين يدوهلنا ... احنا تروس يا بسمة ... تروس في حلقة من اختراعهم ... تروس في ألة ملكهم ... والترس اللي ملوش عوزة بيترمي.

بيتر الياس
16 مارس 2020