إنطلق صوت هاتفي المحمول بالنغمة المعتادة وعلي مقربة من
يدي كان قابعاً، فما كان صعباً علي أن أقوم بإلتقاطه لأنظر إلي شاشته الملونة وأجد
رقماً غريباً ليس من ضمن الأرقام المسجلة لدي. أسرعت وفتحت الخط لأسمع الصوت الذي
لم أكن أتوقع أن أسمعه مرة أخري في حياتي.
-
ألوو ... إزايك؟
هذه هي الكلمات الأولي التي نطق بها صاحب الصوت ولم يكن
غريباً أن أجيب أنني بخير حال رغم إندهاشي من تلك المكالمة، في الحقيقة لم يكن الصوت
لرجل ... بل لفتاة عرفتها منذ عدة سنين .. إنها الحبيبة والصديقة والأخت ... بل وصدقني
قولاً إن أضفت الأم أيضاً، التي لم أتوقف لحظة عن حبها رغم تركها لي منذ زمان يجعل
من غيري ينسي ويحب ويعيش أفراحاً أخري ... أما أنا فلم أكن هذا الرجل، ورغم كل ذلك
الحب إلا أن صوتي بدا عليه الحزن وعدم الرغبة في الحديث إليها ... بل وأيضاً
محاولة إنهاء المكالمة سريعاً ... فأنا لا أريد أن أبكي، فكفاني بكاءاً.
-
ممكن تديني رقمك
الأرضي عشان أتصل بيك؟؟
هكذا قالت وإنتظرت بعدها الرد مني لبرهة ... فقد كنت
غارقاً في تلك اللحظة في الذكريات واسترجعت الأيام الأولي التي لم يكن في حقيبتها
سوي مدونة أرقام واحدة تحمل أرقامي ... المحمول ... المنزل ... العمل، وحتي أقاربي
وأصدقائي المقربين، فها هي الأن تلقي بمدونتي في بئر عميق ولم يعد في ذاكرتها سوي
رقم هاتفي المحمول الذي تذكرته بصعوبة بالغة، فلم تكتفي فقط بأن محت تلك الأرقام
بل وحذفت سجلي وتاريخي كله من حياتها.
تذكرت كيف كنت أحاول الإتصال بها مراراً وتكراراً إلا أن
النتيجة ذاتها ما كنت ألاقي وهي أن هاتفها مغلقاً، وبعدها عرفت أنها قد استبدلت
هذا الرقم خصيصاً كي لا أتمكن من الإتصال بها.
حتي هذا لم يمنعني أنا أعطيها رقمي مرة أخري، وما هي إلا
ثوانٍ لأجد هاتفي يعلن عنها.
-
اتصلت بيك عشان
أسلم عليك
وها هي كعادتها تعطي لنفسها حقاً سلبته مني قهراً، أن تسأل عني ... وأما أنا فلا
يحق لي ذلك ... وقتما تريد تتحدث إليّ وتطمئن علي مجنونها، أقصد عاشقها ... وأما
أنا فقد قتلني الشوق إليها أياماً وأيام، ليالي طويلة عشتها متمنياً أن أعرف كيف
حالها وتمنيت لو تشفق علي نفسي لأسمع صوتها ... ولكن هيهات. فالقلق هو قدري والشوك
هو دمعي والموت أخرتي، فمن يشعر؟؟ ... ومن يهبأ؟؟ وصاحبة الشأن ذاتها لا تكترث.
فهل أقول لها أنني أيضاً تمنيت كثيراً أن أعرف أحوالها؟؟
.. أم أجعلها تظن أنني لم أعد أفكر حتي فيها؟؟ .. لم يسعني سوي شكرها علي ما أنعمت
علي به، فكرامتي تقتلني بعدما قتلتني هي ... ولم تكتفي بذلك، بل ومع سبق الإصرار
شجعت كرامتي للنيل مني والإنهاء علي ما تبقي فيّ.
-
تعرف يوم ما
صاحبتي كلمتك وقولتلها إنك مش بتحبني خلاص، أنا كنت موجودة عشان كان لازم أتأكد
منها بنفسي، كنت هعمل عشانك المستحيل.
مع سبق الإصرار كانت تلك الكلمات البراقة المزينة بحروف
من نور، فعلي أفعالٍ لم أرتكبها اتهمتيني ... وجاء الوقت كي تحاكميني، أصدقك القول
أنكِ ستفعلين من أجلي كل شئ، ستتركينه من أجلي وترجعين إليًّ. ولكن كيف؟؟ الأن
تحاربين من أجلي؟؟ وفي الماضي كنت أحارب وحدي ... تتمسكين بي بعد أن أصبحتِ مع
غيري ولم تستطيعي حتي النظر إلي حينما كنت معكِ. ألا تتذكرين أنني فقط من حاول
الإبقاء عليكِ؟؟ فرغم أنني كنت أشعر كل لحظة أنكِ لم تحبيني إلا أنني كنت دائم
التشبث بكِ ولم أكن يوماً جزءاً من أحلامكِ، فقد قلت أنكِ لم تحبيني ولكني أقسم
بحياتي الأن أنكِ لم تحبيني ولن يكون هناك يوماً قادماً تحبيني.
أبعد كل هذا تتحدثين إلي لكي تريحي ضميرك .. فأنتِ لستِ
المذنبة الأن وأنا سبب فراقنا؟! أكان علي أن أقدم فروض الولاء والطاعة؟! وعلي
أيضاً أن أقيد بذات السلاسل إلي الأبد؟! ... ولما لا ؟؟ إن أردتِ أن أكون يمينا
أكون ويساراً لو أشرتِ أذهب ... فقط قولي وحركي السلسلة من يدكِ ... ألا تشعرين؟؟
ألم يكفيكي رفض حبي ما بين ليلة وضحاها مع سبق الإصرار؟؟ أما يكفيكي ما سلبتيه من
حبي، فما وجدت الأن شيئاً قد أقدمه لغيركِ.
نعم لم يكفيكي ... فأنا القاتل والمذنب .. يا للسخرية
ماذا أجيب وماذا أقول؟؟ فقد كنت في الماضي أعرف ما يدور داخلك
حتي قبل ما أن تتحدثي وأما أنتِ فلم تعرفيني.
فقد كان سهلاً عليكِ أن تخططي وتنفذي وتمسكين بسكين وفي
حبي تذبحي، يكون ذبحا وقتلاً في حبي مع سبق الإصرار ... فكفاني ما نلته ... صدقيني
فلن أجيب .. وسأغلق أيضاً هاتفي.
بيتر الياس
5 مايو 2008