لم يكن يوماً عاديا في حياة شريف وبسمة ...
فهم الأن وبأمر من الحكومة المصرية تحت الإقامة الجبرية أو ما يطلق عليه حظر
التجوال ... لم يكن شريف وبسمة الوحيدين ... بل جميع المواطنين داخل الدولة ...
ليست الدولة المصرية وحدها ... بل قل معظم دول العالم ... فلم تكن أخبار انتشار
فيروس كورونا وتصنيفه علي أنه وباء عالمي من الأخبار السعيدة علي البشرية، وخاصة
وأنه فصيلة جديدة من الفيروسات سريعة الانتشار والغير معروف دواء لها حتي الأن.
شغل شريف وقته بقراءة كتاب وعلي مقربة منه
اجتهدت بسمة لتقطيع بعض الخضروات علي الطاولة المجاورة، وفي تلك الأثناء أغلق شريف
الكتاب فجأة وسألها قائلاً:
-
تفتكري يا بسمة ممكن أكون حامل ...
نظرت بسمة بدهشة إلي شريف وبدون أن تنتظر منه
أن يكمل جملته أجابت:
-
حامل؟! حامل ايه يا شريف؟! سلامة عقلك يا حبيبي.
-
يا ستي سيبيني بس أكمل ... أنا أقصد، تفتكري ممكن أكون حامل للفيروس؟
-
أي حد فينا ممكن يكون حامل للفيروس يا شريف ... مش انته لوحدك، لكن ليه
السؤال ده؟
نظر شريف إلي عيني بسمة وحدق بها ثم أجاب:
-
أنا بس خايف عليكي مش علي نفسي.
ضمته بسمة إليها في حنان ثم قالت:
-
متخافش علي يا حبيبي ... أنا هكون دايماً كويسة طول ما انته جنبي.
قبلته في حنو، فقال وقد أفلت منها:
-
تفتكري هنموت يا بسمة؟
-
ليه كده بس يا شريف! ... مالك النهاردة؟ احنا ملتزمين بإجراءات وزارة الصحة
وان شاء الله الموت بعيد عننا يا حبيبي.
-
احنا لازم هنموت يا بسمة، هنوت بالفيروس أو هنموت من غيره ... كله اسمه موت
... لكن أنا أقصد تفتكري هنموت من الجوع؟
بسمة في اندهاش
-
من الجوع؟!! واحنا عندنا كل الأكل ده وتقول هنموت م الجوع؟
ابتسم شريف قائلاً:
-
الأكل ده مسيره يخلص يا بسمة ... لو الأزمة استمرت مش هيفضل أكل لا عندنا
ولا عند غيرنا.
-
كفالله الشر ... هما يومين وكل حاجة ترجع زي ما كانت ... متفولش يا شريف.
-
لو حسوا اننا ملناش لازمة هيضحوا بينا يا بسمة.
-
مين دول يا شريف؟
-
الكبار.
-
اللي هما مين.
-
محدش يعرفهم ... لكن في ايدهم كل حاجة في حياتنا.
متسائلة:
-
طب والناس اللي محدش يعرفهم هيضحوا بينا ازاي وليه يا شريف؟ مالك يا شريف
النهاردة ... انته مش عاجبني خالص يا حبيبي.
-
هحكيلك علي قصة ... تسمعي عن سفينة العبيد سونغ؟
في إندهاش
-
لأ ... ايه ديه؟
-
هقولك ... ديه سفينة كانت مملوكة لنقابة الرقيق في ليفربول ... المهم يا
ستي سنة 1781 كانت في رحلة عبر المحيط الهادي وكانت محملة مجموعة كبيرة من العبيد
... وفي أثناء الرحلة اكتشف الكبار اللي عليها ان المية مش هتكفي كل الموجودين طول
الرحلة وعشان هما خافوا ان العبيد ممكن يموتوا م العطش وهيتحمل أصحاب العبيد تكلفة
موتهم ... اللي هما أصلا مأجرينهم عشان يحافظوا عليهم فقالوا احنا نرميهم البحر
والتأمين هو اللي يدفع تمنهم لأصحابهم ... وفعلا رموا 132 عبد في البحر... واتعرفت
بعدها في التاريخ باسم مجزرة سونغ.
توقف شريف برهة ضاحكاً:
-
الكبار ... لو شافوا مفييش منك رجا هيضحوا بيكي وفي الأخر برضه هيطلعوا
كسبانين ... في المجزرة ديه وبعد ما قتلوا 132 واحد التأمين دفعلهم الفلوس بتاعتهم.
بسمة في قلق:
-
اهدا يا شريف ... ده زمن غير الزمن.
-
لأ ... البني أدم واحد ... بنجاسته ... وطمعه ... وكرهه ... متغيرش ...
اللي زاد بس سلطته وانه بقي مفتري أكتر.
-
طب بس فهمني يا شريف مين الكبار؟ وليه يعملوا كده؟
-
مش مهم هما مين ... المهم، ان الكبار بيخلونا نزرع ونتعب ونكدح وياخدوا
أكلنا ع الجاهز ... ينزلونا نبني ونعمر ونرصف، ويسكنوا هما ... يشغلونا في المصانع
عمال ونصنع وننتج وياخدوا هما الإنتاج .... في الأخر احنا مبناخدش حاجة غير اللي
هما عاوزين يدوهلنا ... احنا تروس يا بسمة ... تروس في حلقة من اختراعهم ... تروس
في ألة ملكهم ... والترس اللي ملوش عوزة بيترمي.
بيتر الياس
16 مارس 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق