السبت، 23 نوفمبر 2024

تويا ابنة الإله 4

 الفصل الرابع


دار ذلك الحوار في المنزل بين "أنوب" و "ميريت"، ولكن البقرة "أيا" كانت قد سمعت تفاصيل ذلك الحوار، لم تستطع فعل شيء في المرة السابقة. ساءت الأمور قبل ذلك ووصلت إلى ما هي عليه الآن.

قالت، لا يمكنني الانتظار أكثر من ذلك، سوف أذهب إليه لأحذره، لابد لي أن أسبق "أنوب" قبل أن يجد تلك الفأس.

هكذا قالت "أيا" للأبقار حولها، خرجت البقرة مسرعة، محاولة قطع أكبر مسافة ممكنة لها في أقل وقت ممكن، يعيقها وزنها، فهي لم تكن رياضية يوماً من الأيام، أما اليوم فلابد لها أن تكون.

في الوقت الذي خرجت فيه البقرة، "أيا" كان "أنوب" مازال يبحث عن الفأس في كل مكان بالمنزل، لقد توقف عقله عن العمل، لم يعد يفكر إلا في قتل أخيه.

-         أين تلك الفأس اللعينة، ان لم أجدها فسأقتله بيدي.

هكذا دمدم "أنوب" وهو مستمر في البحث عن الفأس.

كانت البقرة "أيا" قد قطعت مسافة لا بأس بها، واقتربت بعد زمن من مكان "باتا"، وهو نفس الوقت الذي وجد فيه "أنوب" ضالته، فما كان منه إلا ان استل تلك الفأس، وخرج مسرعاً لملاقاة "باتا".

وصلت البقرة "أيا" إلى مكان "باتا" لاهثة، لا تقوي على الكلام، رآها "باتا" فذهب إليها مسرعاً، لم يفهم لما حضرت إليه على هذا النحو، وفي ذلك الوقت من النهار، فلم تفعل ذلك من قبل قط، بل كانت تخرج معه إلى هذا المكان عندما كان يخبرها بأنه يريد أن يتحدث إليها، فعرفت حينها أن هذا المكان هو الأرض التي يزرعها الأخوين، وتوفر لهما الطعام، أحبت هذا المكان سابقاً، فهو مصدر غذائهم، أما الآن فهي تخاف أن يكون هو نهاية "باتا"، لذلك استجمعت "أيا" أنفاسها وقالت بصوت متقطع:

-         اهـ  ... رر ... ب

حاولت التقاط أنفاسها مرة أخري وأعادت قائلة:

-         اهر .. رب ... اهرب يا "باتا"

أدرك "باتا" أن كارثة على وشك الحدوث، ولكنه لم يغادر قبل أن يفهم ما يحدث وهو ما دعاه لسؤالها:

-         ماذا حدث؟

أجابته "أيا" سريعاً:

-         لا وقت لذلك، لقد افترت "ميريت" عليك، وقالت لأخيك أنك قمت بالاعتداء عليها.

في تلك اللحظة ظهر "أنوب" من بعيد، فلمحه "باتا" وهو يجري وبيده الفأس ... أدرك الآن ما ينويه أخوه، بلع "باتا" مرارته، وأدرك أنه لا مفر من الهروب، جري سريعاً محاولاً الاختفاء ... ولكن الأوان قد فات؛ أخوه الآن على مرمى البصر، ويراه جلياً كما يراه هو، لم يعرف ماذا ينبغي عليه أن يفعل؟!، فركض. ركض الأخوان وراء بعضهما البعض.

كان "باتا" يجري وهو يبكي ينظر إلى رع في عليائه ويسأله:

-         لماذا؟ ... لماذا يا رع؟ أنا لم أرتكب خطيئة ... لم أسرق ... لم أقتل ... لم أفعل الشر، فلماذا؟ ... لماذا يا رع؟ أنت فاحص القلوب، فأنا لم أشتهي زوجة أخي، لم أدنس نفسي. لم أملأ قلبي حقدًا، لم أكن سببًا في دموع إنسان، حتى أنني لم أتسبب في شقاء حيوان، ولم أُعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقه ماء، أطعمت الجائع، رويت العطشان، كسوت العريان، كنت عينًا للأعمى، ويدًا للمشلول، ورجلًا للكسيح، ملأت قلبي [1]بماعت.

ظل "باتا" يبكي بمرارة. وفجأة توقف عن الركض، نظر إلى الأعلى إلى مقر رع إله الشمس، ثم نظر خلفه، إلى أخيه "أنوب" الذي كان يراه من بعيد مقترباً

-         لن أفر، فموتي أفضل من أن أعيش هارباً بلا ذنب.

ترقق قلب الإله رع من السماء وهو ينظر إلى "باتا"، وبعد أن أصبح "أنوب" أخوه على بٌعد خمسين خطوة منه ... صنع الإله بحيرة بين الأخوين مملوءة بالتماسيح ... فزع "أنوب" عند رؤيته ما حدث، فتوقف في الحال ... تلعثم ولم يستطع الكلام، أما أخيه "باتا"، أخوه المظلوم فوقف من الناحية الأخرى، نظر في عيني أخيه ومازال يبكي:

-         أنا لم أفعل شيء ... لم أفعل.

أجابه "أنوب" قائلاً وقد هدأ غضبه قليلاً:

-         كيف نسيت إني ربيتك يا "باتا"، وأني كنت لك أباً أفضلك على نفسي، وأقدمك على زوجتي؟

فأجابه "باتا"، محاولا نفي التهمة:

-         كلا ... كلا يا أخي أحلف لك بحياة رع العظيم، أني ما نسيت فضلك ولا تغير حبي لك.

لم يصدق "أنوب" كلام أخيه فخاطبه غاضباً، قائلاً له بإصرار:

-         إن الحديث الذي جرى بينك وبين زوجتي اليوم حديث فظيع، تريد قتلي بالسم لتتزوجها بعدي، لقد كذبت على، وحينما سألتك عن جروحك، أجبتني بأنك قد تعثرت؛ فصدقتك ولما عدت الى البيت رأيت دمك على الأرض، وقطع ثيابك بيد زوجتي، فعرفت أنك كاذب مخادع، وأنها صادقة!!!

هز "باتا" رأسه نافياً وهو يقول:

-         أقسم لك يا أخي بأنه لم يجرِ بيني وبينها هذا الحديث، وما قدمتُ لها سماً كي تدسه لك، إنها تكرهني وكانت كل يوم تحدثك بأحاديث كاذبة، حتى تبعدني، وتبغّض قلبك عليَّ لتطردني من المنزل، وتعيش معك وحيدة، وقد أخبرتني البقرة بكل ما كانت تحدثك به، ولم تصدقها أبداً فلماذا صدقتها اليوم؟ وحياة رع العظيم رب الأرباب ما كذبت عليك، إلا لأني لا أريد أن أغضبك على زوجتك، وأني لا أحب أن أنغص عيشك وحياتك ... فلقد تحملت من زوجتك كثيراً من المتاعب ولم أخبرك لتعيش سعيداً معها، أما الآن، فلم يعد بمقدوري أن أعيش معكما. فسلامٌ عليك. سأبحث لنفسي عن بلاد أخري أعيش فيها.

نظر "باتا" إلى أخيه "أنوب" فشعر بأنه لم يصدقه بعد، فقال لأخيه:

-         إن لم تكن تصدقني ... فالموت أكثر هواناً من أن أعيش وأنت تكرهني.

أخرج "باتا" سكيناً من ملابسه وأشار بها إلى أخيه "أنوب" وهو يقول:

-         سأقطع [2]عضوي أمامك ... فإن كنت بريئاً أنقذتني الآلهة ... وإن كنت مذنباً فلأموت بغير أسف.

دق قلب "أنوب" في تلك اللحظة واضطرب بعنف، وهو يري أخاه يخرج عضوه ويقترب منه بالسكين فيقطعه أمامه ويرميه في الماء ... واذا بـ "باتا" في اللحظة التالية يسقط أرضاً ... بكي "أنوب" بشدة لمشاهدته أخيه المحبوب يموت أمامه بهذه الفظاعة، ولكن حزنه لم يدم طويلاً؛ فرأي نور الإله رع يسقط من السماء، ويضع شعاعه مكان الجرح؛ ليملأ عضوًا آخر عوضًا عن العضو المقطوع، كانت تلك علامة واضحة أكبر من أي دسيسة علي براءة أخيه، اقتنع "أنوب" ببراءة أخيه، وتذكر وصية والده التي كان قد نسيها (واعلم أنك سوف تسمع وشاية ضده من أقرب الناس إليك، فلا تصدقها لأنه سيعيش مخلصاً لك وسيكون اخاك الوفي وخادمك الأمين المطيع ... تذكر ذلك ولا تنسه أبداً)

بكي "أنوب" حزناً على ما كادت يده أن تقترفه تجاه أخيه المحبوب، فصار يناديه باكياً:

-         عد يا "باتا"، عد الى قريتنا لنعيش معاً في سلام كما كنا.

فأجابه "باتا":

-         لا تأسف، لا تأسف ولا تحزن يا أخي، لقد عزمت الرحيل الى [3]وادي الأرز وهناك سأعيش وأحيا.

شعر "أنوب" بأن أخيه لن ينزل عن قراره، فسأله قائلاً:

-قبل أن تذهب ... فلتخبرني بما حدث ... فأنت لن يرضيك أن يعيش أخيك مخدوعاً مع امرأة كاذبة.

نظر "باتا" إليه في أسي وحكي له عما قامت به "ميريت" الخبيثة بوشايتها ومحاولاتها استمالته، وبعد أن حكي له ذلك، قام الإله رع بإسقاط شعاعه مرة أخري في قلب "باتا" فتحدث "باتا" إلى أخيه مسوقاً من روح رع:

-         سأرحل؛ ولكني أطلب منك طلباً واحداً، هو أن تبحث عني في وادي الأرز. سوف أموت، وسوف يوضع قلبي في زهرة في أعلى أشجار الأرز فإذا وقع على الأرض مت إلى الأبد. ستعرف انت هذا عندما ترى كأس الشراب في يدك تفور وتغلي فجأة فتنسكب، فتكون تلك علامة لك، فعليك حينئذ أن تبحث عن قلبي حتى تعثر عليه أعلي الشجرة، وقبل أن يقع على الأرض، يجب أن تضعه في ماء مثلج، وإذا فعلت هذا عدت الى الحياة مرة أخرى.

نظر "أنوب" بتعجب إلى أخيه، فأردف "باتا" قائلاً:

-         لا تخف ... فلن يحدث لي مكروه، إلا لو سقط قلبي من تلك الشجرة.

قال ذلك فساد الصمت لثوان ... فأكمل "باتا":

تذكر العلامة، عندما ترى كأس الشراب في يدك تفور وتغلي فجأة.


[1] إلهة الحق والعدل

[2] يقصد عضوه الذكري

[3]  لبنان


السبت، 16 نوفمبر 2024

تويا ابنة الإله 3

 الفصل الثالث





في صبيحة ذلك اليوم خرج "أنوب" متجهاً لأرضه، وتعمد ترك البذور التي سيقوم باستخدامها لزراعة الأرض، فقابل أخيه "باتا" وبدأ الاثنان في إنهاء التجهيزات قبل الزراعة، وحان وقت زراعة البذور، فتظاهر "أنوب" أنه قد نسي البذور وحث أخيه على الذهاب لإحضارها من منزله، فعرض "باتا" على أخيه أن يذهب، بينما يبقي هو في الأرض، ومرة ثانية تظاهر "أنوب" أن هناك أعمال قياس بالأرض سيقوم بعملها بينما يذهب هو لإحضار البذور، ودلل على ذلك بأنه لا عمل "لباتا" من دون البذور، ولذلك ولحفظ الوقت، ينبغي أن يهتم "باتا" بهذا الأمر.

لم يجادل "باتا" كثيراً بعد ذلك، فقد أخبره "أنوب" عن مكان البذور ...فذهب لإحضارها من منزل أخيه، بينما بقي "أنوب" أخيه بالأرض ولم يتحرك ... ولكن "باتا" لم يكن مرتاحاً لذلك.

كان "باتا" على حق فعلى الجانب الآخر وبعد خروج "أنوب" من المنزل ارتدت "ميريت" ملابس شفافة تظهر أكثر مما تخفي، وتعطرت بأفضل عطورها، وانتظرت قدوم "باتا" بمشاعر ملتهبة، كانت المرأة جميلة حقاً ... كيف للفتي أن يقاومها بعد ذلك، لا أحد يراهم وهي في أفضل حلة، سيشعر برجولته معها، وستشعر أنها امرأة في أيدي هذا الشاب القوي، سألت نفسها كثيراً لماذا أحبته؟ لِمَ تراه جميلاً؟ ... جميلاً لأنه يمتلك كل تلك العضلات ... أما "أنوب" فأقل قوة من أخيه الأصغر، نعم يعاملني بالحب ويهتم لأمري ... ولكن تجربة الحب مع رجل قوي مثل "باتا"، هي تجربة فريدة بالتأكيد، سيستمتع كلانا.

حضر "باتا" إلى المنزل ودق الباب ... فتحت له "ميريت" جزءاً من الباب متظاهرة بجهلها بمن يكون الطارق ...

-         من على الباب؟

-         إنه أنا "باتا" يا امرأة أخي.

أظهرت رأسها فقط لـ "باتا" من خلف الباب، متسائلة:

-         ماذا تريد يا "باتا"

أثارت الرائحة العطرة لـ "ميريت" أنف "باتا" ... كم كانت رائعة تلك النسمات التي تعبر منها ... سيطر "باتا" على نفسه ثم قال:

-         لقد نسي أخي "أنوب" البذور ... وجئت لأحضرها.

-         ولماذا لم يحضر "أنوب" بنفسه ليحضرها.

-         إنه يعمل على شيء هام بالأرض، بينما لا عمل لي دون البذور.

-         حسناً حسناً ... ادخل.

دخل أنوب فأصابه الذهول من ملابسها ... لم يعتد "باتا" أن يري امرأة بهكذا ملابس.

-         هل تعرف مكان تلك البذور؟

سألته "ميريت" ولكن "باتا" لم يكن قد خرج بعد من شروده، فأعادت عليه السؤال مرة أخري:

-         هيييي ... أنت ... هل تعرف مكان البذور.

ثم أردفت بينما كانت تضحك:

-         ماذا بك؟ ... لِمَ أنت شارد هكذا؟

أجابها "باتا" قائلاً

-         لا شيء.

ثم بدأ في استجماع قواه مرة أخري وهو يردف:

-         نعم ... فلقد أخبرني "أنوب" عن مكان البذور.

-         اذهب اذن لإحضارها.

سار "باتا" للمكان الموضوع فيه البذور كما وصفه له أخيه ... هو يعرف كل جزء في هذا المنزل ... لقد عاش عمره كله فيه، لديه من الذكريات واللحظات الجميلة هنا ما يفوق ما عاشته "ميريت" بكثير وكثير ... يتذكر والده، ذلك الرجل الحكيم الذي علمهم كيف يعيش كلاً منهم محافظاً على الأخر محباً له، ذلك الرجل الذي تعلم منه كيف يكون قدماً لأخيه، بينما يكون أخيه يداً له ... فلا ينفصلا أبداً ... كم حكي لهم أبيهم عن حكماء العصر "أني" و"بتاح حتب" و "ايمحتب" و "كاجمني" والكثير والكثير.

تذكر "باتا" في تلك اللحظة مقولة الحكيم "أني" التي علمها والدهم أيها:

"احذر المرأة التي يغيب عنها زوجها، فقد تكشف لك عن مفاتنها، وتراودك عن نفسها وتشهدك ألا رقيب عليها، وتحيك شباكها لاصطيادك، لا تستجب لها حتى في غفلة من الناس"

هذا هو الإرث الحقيقي يا والدي ... أن أثوب إلى رشدي بما علمتنا إياه ... وأن أكون على يقين بما يجب أن أفعله.

كانت "ميريت" تسير وراءه ... انتظرت حتي أحضر البذور ثم وقفت معترضة طريقه، نظر "باتا" إليها فسألها:

-         هل لي بالعبور؟

فأجابته بدلال:

-         ألا يمكنك العبور من خلالي؟

نظر إليها "باتا" في اشمئزاز وبينما يمسك البذور بيده اليسرى، أبعدها باليد الأخرى، اغتاظت المرأة مما فعله، فصرخت في وجهه قائلة:

-         أبعد كل هذا ولم أعجبك؟

استمر "باتا" في السير متجاهلاً إياها، فأمسكت بيديه وأجبرته على النظر إليها وكانت مازالت تصرخ:

-         انتظر هنا ... ألا أعجبك؟ ... ألا تريديني مثلما أريدك؟

أبعد "باتا" يديها عنه ثم قال:

-         فلينتقم مني رع ان فعلت ذلك ... إن أخي الكبير رب نعمتي، فقد أحسن مثواي فلا أخونه في زوجته.

اهتاجت "ميريت" ونشبت أظافرها في رقبة "باتا" وأخذت تجرحه في كل مكان تصل إليه يديها وأخذت تنعته بالجبان والغبي، أفلت "باتا" يدي "ميريت" الغاضبة من على جسده ولكن بعد أن قامت بقطع جزء من ملابسه في أثناء ثورتها، فقال "باتا لها وهو يغادر:

-         رفقاً بأخي ... أخي فقط ... لن أخبره بما حدث اليوم ... ولكن اعلمي انه لن يكون بيني وبينك معاملة أخري بعد ذلك، فلا تحاولي الاقتراب ناحيتي أبداً.

وغادر "باتا" بعدها سريعاً وهو ممزق الملابس ومليء بالجروح في وجهه ورقبته، واتجه بعدها إلى منزله بدلاً من الذهاب إلى الأرض لأخيه، قام بتغيير ملابسه ولكنه لم يستطع إخفاء أثار الجروح التي خلفتها.. ظل يفكر .. لا يدري ما ينبغي عليه فعله ... لقد حسم أمره من قبل، فلن يخبر أخاه ولن يستطيع أن يفصح له عما دار في ذلك الصباح ... ولكن ماذا ينبغي عليه فعله لتجنب تلك الشيطانة ... أغثني يا إلهي رع .. يا رب الأرباب ... الذي يضئ الأرضين.

بعد هنيهة، ولكي لا يثير الشكوك ... قرر "باتا" الذهاب بالبذور إلى الأرض، ومواصلة عمله كالمعتاد.

كان "أنوب" ينتظر متوتراً ... تنقضي الثواني معه كأنها ساعات، ولكن صبره قد انقضي الآن حينما أبصر أخيه "باتا" من بعيد قادماً، ثبت نظره إليه متابعاً إياه حتي اقترب، لاحظ أنه بهيئة مختلفة عما كان صباحاً، فتسائل قائلاً:

-         هل قمت بتغيير ملابسك؟

بدت علامات التوتر على "باتا" وهو يجيب:

-         لقد شعرت بالحر ... فقمت بالاغتسال في النهر سريعا ثم قمت بتغيير ملابسي أيضاً.

أمسك "أنوب" وجه "باتا" وقام بتحريكه في كل اتجاه قائلاً:

-         وما كل تلك الجروح في وجهك؟

-         لقد تعثرت عند الصعود وجرحت نفسي على الأرض.

-         من الواضح ان ذلك التعثر كان شديداً.

هز "باتا" رأسه موافقاً، فأردف "أنوب قائلاً:

-         حسناً، لقد أنهيت ما أريد فعله، سأذهب أنا أيضاً إلى المنزل للاغتسال، وسوف أمر عليك مرة أخري بعد حين.

تنفس "باتا" الصعداء ... فلقد كان حملاً ثقيلاً التعامل مع أخيه وهو في تلك الحالة، لقد حاول السيطرة على نفسه وضبطها إلى أقصي حد، ولم يعرف على وجه التحديد كم من الوقت يستطيع فعل ذلك.

في منزل "أنوب" كانت "ميريت" في قمة ثورتها، تحاول التفكير في كيفية الانتقام من "باتا" الذي رفضها مرات ومرات، وكانت الفرصة اليوم سانحة ليكونا معاً يمارسان الحب كما يشتهيان، ولكنه أهانها بدلا من ذلك.

غيّرت ميريت ملابسها، ثم قامت بشد بعض القطع من ملابسها حتى تمزقت، انتظرت حتى حضر "أنوب"، كان وجهها مازال مصطبغاً باللون الأحمر، وما أن سمعت الباب يدق، وعرفت أنه زوجها "أنوب" حتي بدأت بالبكاء، سمعها "أنوب" فدق الباب بقوة أكثر ... تلكأت "ميريت" في فتح الباب فأثار ذلك غضب "أنوب" الذي أدرك أن هناك كارثة قد حلت، وما أن فتحت "ميريت" الباب، فرأي زوجها وجهها وحالة ملابسها، حتي صرخ قائلاً:

-         ماذا فعل هذا الخسيس؟ ماذا فعل؟

اشتد بكاء "ميريت" وارتمت في أحضان زوجها، وفي صوت متهدج قالت:

-         لقد ... لقد حاول "باتا" ... أن يعتدي علي.

كاد "أنوب أن ينفجر وهو يقول:

-         ماذا؟

-         في البداية طلب مني أن أدس لك السم في طعامك حتى تموت ويتزوجني هو وقدم لي هذا السم

قالت ذلك وهي تظهر قارورة صغيرة في وجه زوجها، ثم أردفت قائلة وهي تنشج:

-         ولكنني شتمته وضربته ... فأسقطني على الأرض، فقمت بنهش أظافري في وجهه لإبعاده، وحاولت مقاومته على قدر استطاعتي.

قالت ذلك وهي تريه بيديها قطعة من ملابس "باتا" الممزقة، ثم استكملت:

-         ولكن انظر ... انظر ماذا فعل بي.

قالت ذلك وهي تبكي بمرارة، هي ذاتها لا تدري هل كانت تلك مرارة رفضه لها، أم أنها قد أقنعت نفسها أنها الضحية فشعرت بمرارة ذلك في داخلها.

-         الآن فهمت سر الجروح على وجه "باتا" ... ولماذا قام بتغيير ملبسه قبل المجيء.

قال "أنوب" ذلك ثم أبعد "ميريت" عنه وذهب إلى الداخل ليبحث عن الفأس وهو يقول:

-         لن أتركه ليعيش بعد تلك الفعلة، حانت نهايته.

قال ذلك، وظل يقلب كل جزء في المنزل بحثاً عن ذلك الفأس.


السبت، 9 نوفمبر 2024

تويا ابنة الإله 2

الفصل الثاني

 

 



 

صارت العائلة الآن ثلاثة بدلاً من إثنين ... انضمت الزوجة الجميلة إلى العائلة ... ترك "باتا" المنزل لأخيه وبني لنفسه كوخاً صغيراً في ذات الناحية علي الجانب الأخر، وقريبة من النهر.

تغيَّرت بعض عادات الأخ الأكبر بعض الشيء ... فجانب من إهتمامه بأخيه الأصغر، توجه الأن إلى زوجته ... تفهم "باتا" ذلك فلم ينزعج، فهو يعرف أن تلك هي طبيعة الحياة، ويوماً ما فسوف يتزوج هو الأخر، وسيصبح واجباً عليه الاهتمام بزوجته عن أي شيء أخر، بالطبع لم يهمله "أنوب" أو ينتقص من حقوقه، لكنه كان يمضي أوقاتاً أكبر مع زوجته، تلك الأوقات التي كان يمضيها "أنوب" في السابق متسامراً مع "باتا".

مع مرور الأيام كان ثلاثتهم يجد وقتاً للسمر مساءاً ... كانت "ميريت" تنتهي من أعمالها المنزلية صباحاً ولم يكن لديها من الأطفال ما يشغل بقية يومها ... فهي لم ترزق بهم بعد، فكان السمر مع "أنوب" و "باتا" مساءاً يخفف عنها كثيراً. كما أنها كانت تنظر بإعجاب ل "باتا" ذو العضلات القوية، لاحظ "باتا" ذلك كثيراً ولكنه لم يعيره انتباهاً.

في أحد تلك اللقاءات ذهب "أنوب" لتحضير مشروباً من الجعة لثلاثتهم، فجلست "ميريت" قريبا جداً من "باتا" وقالت له مبتسمة:

-         لم تقل لي ... من أين لك بتلك العضلات؟

تورَّد وجه "باتا" وهو يجيب:

-         انها هبة من إلهنا رع.

تبسمت "ميريت" وحاولت وضع يديها علي شعره ... انتفض "باتا" في تلك اللحظة وقام سريعاً مبتعداً عنها، نظرت إليه "ميريت" مندهشة وهي تقول

-         ماذا بك؟ هل حدث شيء؟

نظر "باتا" إلى الأرض ثم أجابها قائلاً:

-         لا شيء، فقط أفضل أن أبقي ههنا.

استشاطت "ميريت" في نفسها، واعتري وجهها تعبيرات الاستياء، فلم تحاول الاقتراب منه مرة أخري في تلك الليلة.

في اليوم التالي ... وبينما "أنوب" و"باتا" في الحقل ... لاحظ "باتا" أن "أنوب" في مزاج مختلف عن كل يوم.

-         ربما لم ينم جيداً ليلة أمس

هكذا تفكر "باتا" في نفسه" ... وذهب بعدها إلى الحظيرة الكائنة بجانب منزل "أنوب" لإطعام الماشية، وأثناء اطعامه لإحدي البقرات، قالت له:

-         احذر يا "باتا" امرأة أخيك تتحدث عنك مع أخيك، وتسأله لم عليه أن يبقيك مقيماً معهم في ذات الناحية.

كان "باتا" يدعو تلك البقرة "أيا"، سمع "باتا" منها الكلام ففهم أن ذلك ربما يكون السبب في تغير مزاج أخيه اليوم، ولكنه لم يفعل شيئاً.

بعد عدة أيام تكرر المجلس ما بين "أنوب" و "ميريت" و"باتا" ... وكعادة "أنوب" فقد ذهب لتحضير الجعة لثلاثتهم ... فإستغلت "ميريت" ذلك، وفعلت كما فعلت في المرة الأولي ... واضعة يديها علي جبين "باتا" ... قام "باتا" بإبعاد يديها سريعا وذهب بعيداً عنها، اغتاظت المرأة وقالت:

-         أنت تخاف من أن ألمسك اذن؟

لم يعلق "باتا" ... واكتفي بالخروج لأخيه ذاهباً إليه لإحضار الجعة معه، ولكنه لم يتحدث معه في شيء، مرت الليلة وغادر "باتا" إلى منزله فقامت "ميريت" وقالت لزوجها "أنوب"

-         ليتك تحبني نصف ما تحب أخاك.

بدا الإندهاش علي وجه "أنوب" فأجاب زوجته قائلاً:

-         ليتني أحب أخي الأن نصف ما أحبك.

-         إن كنت تحبني هكذا فعلاً .. لماذا لا تخبره بمغادرة تلك الناحية ... فلقد أخبرتك أنني احتاج إليها ... فلدي خطط لأطفالنا في المستقبل، لا أستطيع تدبرها إلا من خلال منزل "باتا".

أشار "أنوب" برأسه علامة النفي وهو يقول:

- لا ... لا يمكن ذلك ... نستطيع توفير مكان أخر لتنفيذ أفكارك.

- ولكنه لن يكون أبدأ بمثل ذلك المكان علي النهر وتلك القطعة المميزة من الأرض، ماذا دهاك ... أتفضله علي وعلي أبناءك؟

- يا "ميريت" أين هؤلاء الأولاد ... لا يوجد لدينا شيء بعد ... أن تستبقين الأحداث كثيراً ... وتريدين مني أن أكون مع خصومة مع أخي من أجل لا شيء ... أرجوك ... دعينا من هذا الحديث.

لم تستمر المحادثة في تلك الليلة أكثر من ذلك ... ولكن البقرة "أيا" سمعت الحديث، وفي اليوم التالي أخبرت "باتا" بما حدث، حزن "باتا" كثيرا من أجل دعوات زوجة أخيه التي تحث أخيه "أنوب" علي ابعاده، ولكنه فضل الصمت أيضاً، فهو يعلم علم اليقين، أن الحديث في تلك الأمور ستكون نهايتها خصومة اما ما بينه وبين أخيه "أنوب"، أو ما بين "أنوب" وزوجته "ميريت".

حاول "باتا" بعد ذلك جاهداً الإبتعاد عن جلسات السمر التي كانت تجمع ثلاثتهم، واكتفي فقط بالجلوس مع أخيه في الحقل صباحاً، ومباشرة أعمالهم سويًّا.

غضبت "ميريت" من ذلك كثيراً واقتنعت أنه يحاول الإبتعاد عنها، نعم أعجبت به بشدة، جسده القوي، وطوله الفاره وعضلاته العظيمة، كل ذلك جعلها تتمناه في داخلها، وأما رفضه إياها فقد جعلها تكرهه، تحبه وتكرهه في ذات اللحظة، تحاول التقرب منه كلما سنحت الفرصة، وتتحدث إلى أخيه من أجل تقليبه عليه وابعاده للأبد عن حياتهما، هي لا تعلم ماذا تريد.

ربما هي تريده بالفعل، ولكنها لا تتقبل أبداً اعراضه عنها ... فليكن اذاً ... أنت من اختار ... فليعني اعراضك عني هو نهاية علاقتك بأخيك "أنوب" ... هكذا تفكرت "ميريت" في نفسها.

وفي أول فرصة تحدثت مرة أخري "ميريت" إلى "أنوب" قائلة:

-         هل تشعر بذلك الأن يا حبيبي "أنوب" ... إن "باتا" لم يعد يبتهج بمجالستنا ... قلت لك من قبل ... انه يضمر شيئاً ما تجاهنا.

قطب "أنوب" حاجبيه، وشعر بغصة عميقة في قلبه ... أخيه المحبوب الذي لم يتركه قط لو يشعره بعدم وجود أبيه وأمه ... فكان له دائماً الأب والأم ... فقط يراه في الأرض ... يزرع ويحصد ويعمل ... لم يعد حتي يتحدث إليه كما السابق ... تغير كثيراً

-         نعم ألاحظ ذلك ... لا أدري ما به.

هكذا قال "أنوب" في أسي ... ثم أردف قائلاً:

-         ربما ينبغي علي أن أتحدث إليه وأعرف ما فيه.

اقتنصت "ميريت" ذلك وقالت في سرعة:

-         ماذا يكون به؟ أعتقد أنه قد يفكر في أخذ نصيبه من الأرض والإستقلال بها ... ولكنه لم يجرؤ بعد عي مفاتحتك ... لطالما طلبت منك ابعاده وترضيته ... كنت أعلم أن هذا اليوم أت لامحالة.

-         لا أعتقد ذلك "ميريت" ... هناك ما يجعله متوتراً تلك الأيام ... تلك ليست طبيعته.

خافت "ميريت" في نفسها ... هل يقول "باتا" شيئاً لأخيه عن محاولاتها ... ما هو دليله ... ان حدث ذلك فستنقلب عليه الطاولة ... لن توفر له تلك الفرصة أبداً.

هكذا تحدثت داخل نفسها ... قطعت ذلك التفكير ثم قالت لزوجها "أنوب":

-         أخاف أن أقول لك أنني أرتاب من نظراته إلى أيضاً.

اندهش "أنوب" من تلك الملاحظة:

-         ماذا؟ أخي؟

تذكر بعدها أن أخيه يتجنب النظر إلى امرأته مؤخراً ... النظرات العادية التي ينظرون بها جميعهم إلى بعضهم البعض، فقال:

-         وبماذا تفسرين عدم قدومه مؤخراُ إذاً؟

-         لا أعلم ... ولكن ينبغي فقط الحذر.

هز "أنوب" رأسه بذات الأسي قائلاً:

-         نعم ... نعم ... أوافقك الرأي ... ينبغي الحذر.

سمعت البقرة "أيا" كعادتها الحديث ... وفي اليوم التالي أخبرت صاحبها "باتا" بما حدث ... وبينما هي تخبره ما كان من أمر "أنوب" أخيه، حتي دمعت عينا "باتا" ... هو يحب أخيه ويتمني له دائماً الخير ... لا يريد الإبتعاد عنه أبداً ... كم تمني أن تكون "ميريت" له أخت ... بدلا من كل تلك المؤامرات

-         "لماذا كل هذا الظلم أيضاً؟ أنا لم أفعل شيئاً"

 قال "باتا" ذلك ل "أيا" وقطرات من الدموع تتساقط من وجنتيه، فأجابته "أيا" قائلة:

-         تحدث إليه، لا ينبغي الصمت أكثر من ذلك.

في تلك اللحظة دخل "أنوب" الحظيرة ... فنظر إلى أخيه في استغراب قائلاً:

-         هل كنت تتحدث إلى البقرة؟

لم يكن "أنوب" يعرف عن مهارات "باتا" في التحدث إلى الحيوانات ... فلم يريد "باتا" اخافة أخيه منه ... واكتفي بحفظ السر في داخله.

-         لا أتحدث إليها يا أخي ... بل أتحدث إلى نفسي.

هكذا أجاب "باتا" ... نظر "أنوب" إلى وجه أخيه، ولاحظ بعض الدموع في عينيه، فقال له مستفسراً:

-         ماذا بك ... هل تبكي؟

-         لا شيء يا أخي ... أنا لم أنم جيداً وتراني متأثراً اليوم.

لم يقتنع "أنوب" بذلك ... هل ينظر "باتا" إلى زوجتي "ميريت" كما أخبرتني بالأمس؟ هل يتعذب من أجل عدم استطاعته الوصول إليها؟ يا لك من وضيع يا "باتا" لا أتخيل ما أنت عليه الأن من خسة، هكذا قال "أنوب" في نفسه.

في اليوم التالي وقبل أن يذهب "أنوب" إلى الأرض حكي لزوجته كل شيء، ولكنه كان متردداً بعض الشيء بخصوص أخيه ... فكل ما هنالك افتراضات ... ولا يعرف بعد هل أخيه يريد الانفصال عنه؟ ... هل يحسده على زوجته ويشتهيها في نفسه؟ لم يجد إجابة، ولكن "ميريت" قالت له أن لديها فكرة ستكون هي الحسم في ذلك كله.

-         ما رأيك أن ترسل أخيك غداً إلى المنزل بحجة احضار البذور، سأكون أنا موجودة هنا وأعرف نواياه، ان أخذ البذور دون أن يلمح إلى بشيء سيئ فهو برئ .. وان حاول مراودتي عن نفسي بأي شكل ... انكشف، وأخبرتك علي الفور.

اقتنع "أنوب" بالفكرة، فقال لإمرأته:

-         اذاً فسأتبعه إلى المنزل دون أن يشعر وأري كل شيء بنفسي.

-         لا لا ... إن اكتشف أنك تراقبه، فكأننا لم نفعل شيئًا... لا تبرح الأرض ودع الأمر لي.

وافق "أنوب" علي الخطة ... فذهب إلى أرضه وهو يضمر تنفيذ ما اتفقا عليه.

سمعت البقرة "أيا" الحديث فصلَّت إلى الإله رع كي يرسل إليها "باتا" كي تخبره بما تم في غيابه، ولكن ذلك لم يحدث.