السبت، 9 نوفمبر 2024

تويا ابنة الإله 2

الفصل الثاني

 

 



 

صارت العائلة الآن ثلاثة بدلاً من إثنين ... انضمت الزوجة الجميلة إلى العائلة ... ترك "باتا" المنزل لأخيه وبني لنفسه كوخاً صغيراً في ذات الناحية علي الجانب الأخر، وقريبة من النهر.

تغيَّرت بعض عادات الأخ الأكبر بعض الشيء ... فجانب من إهتمامه بأخيه الأصغر، توجه الأن إلى زوجته ... تفهم "باتا" ذلك فلم ينزعج، فهو يعرف أن تلك هي طبيعة الحياة، ويوماً ما فسوف يتزوج هو الأخر، وسيصبح واجباً عليه الاهتمام بزوجته عن أي شيء أخر، بالطبع لم يهمله "أنوب" أو ينتقص من حقوقه، لكنه كان يمضي أوقاتاً أكبر مع زوجته، تلك الأوقات التي كان يمضيها "أنوب" في السابق متسامراً مع "باتا".

مع مرور الأيام كان ثلاثتهم يجد وقتاً للسمر مساءاً ... كانت "ميريت" تنتهي من أعمالها المنزلية صباحاً ولم يكن لديها من الأطفال ما يشغل بقية يومها ... فهي لم ترزق بهم بعد، فكان السمر مع "أنوب" و "باتا" مساءاً يخفف عنها كثيراً. كما أنها كانت تنظر بإعجاب ل "باتا" ذو العضلات القوية، لاحظ "باتا" ذلك كثيراً ولكنه لم يعيره انتباهاً.

في أحد تلك اللقاءات ذهب "أنوب" لتحضير مشروباً من الجعة لثلاثتهم، فجلست "ميريت" قريبا جداً من "باتا" وقالت له مبتسمة:

-         لم تقل لي ... من أين لك بتلك العضلات؟

تورَّد وجه "باتا" وهو يجيب:

-         انها هبة من إلهنا رع.

تبسمت "ميريت" وحاولت وضع يديها علي شعره ... انتفض "باتا" في تلك اللحظة وقام سريعاً مبتعداً عنها، نظرت إليه "ميريت" مندهشة وهي تقول

-         ماذا بك؟ هل حدث شيء؟

نظر "باتا" إلى الأرض ثم أجابها قائلاً:

-         لا شيء، فقط أفضل أن أبقي ههنا.

استشاطت "ميريت" في نفسها، واعتري وجهها تعبيرات الاستياء، فلم تحاول الاقتراب منه مرة أخري في تلك الليلة.

في اليوم التالي ... وبينما "أنوب" و"باتا" في الحقل ... لاحظ "باتا" أن "أنوب" في مزاج مختلف عن كل يوم.

-         ربما لم ينم جيداً ليلة أمس

هكذا تفكر "باتا" في نفسه" ... وذهب بعدها إلى الحظيرة الكائنة بجانب منزل "أنوب" لإطعام الماشية، وأثناء اطعامه لإحدي البقرات، قالت له:

-         احذر يا "باتا" امرأة أخيك تتحدث عنك مع أخيك، وتسأله لم عليه أن يبقيك مقيماً معهم في ذات الناحية.

كان "باتا" يدعو تلك البقرة "أيا"، سمع "باتا" منها الكلام ففهم أن ذلك ربما يكون السبب في تغير مزاج أخيه اليوم، ولكنه لم يفعل شيئاً.

بعد عدة أيام تكرر المجلس ما بين "أنوب" و "ميريت" و"باتا" ... وكعادة "أنوب" فقد ذهب لتحضير الجعة لثلاثتهم ... فإستغلت "ميريت" ذلك، وفعلت كما فعلت في المرة الأولي ... واضعة يديها علي جبين "باتا" ... قام "باتا" بإبعاد يديها سريعا وذهب بعيداً عنها، اغتاظت المرأة وقالت:

-         أنت تخاف من أن ألمسك اذن؟

لم يعلق "باتا" ... واكتفي بالخروج لأخيه ذاهباً إليه لإحضار الجعة معه، ولكنه لم يتحدث معه في شيء، مرت الليلة وغادر "باتا" إلى منزله فقامت "ميريت" وقالت لزوجها "أنوب"

-         ليتك تحبني نصف ما تحب أخاك.

بدا الإندهاش علي وجه "أنوب" فأجاب زوجته قائلاً:

-         ليتني أحب أخي الأن نصف ما أحبك.

-         إن كنت تحبني هكذا فعلاً .. لماذا لا تخبره بمغادرة تلك الناحية ... فلقد أخبرتك أنني احتاج إليها ... فلدي خطط لأطفالنا في المستقبل، لا أستطيع تدبرها إلا من خلال منزل "باتا".

أشار "أنوب" برأسه علامة النفي وهو يقول:

- لا ... لا يمكن ذلك ... نستطيع توفير مكان أخر لتنفيذ أفكارك.

- ولكنه لن يكون أبدأ بمثل ذلك المكان علي النهر وتلك القطعة المميزة من الأرض، ماذا دهاك ... أتفضله علي وعلي أبناءك؟

- يا "ميريت" أين هؤلاء الأولاد ... لا يوجد لدينا شيء بعد ... أن تستبقين الأحداث كثيراً ... وتريدين مني أن أكون مع خصومة مع أخي من أجل لا شيء ... أرجوك ... دعينا من هذا الحديث.

لم تستمر المحادثة في تلك الليلة أكثر من ذلك ... ولكن البقرة "أيا" سمعت الحديث، وفي اليوم التالي أخبرت "باتا" بما حدث، حزن "باتا" كثيرا من أجل دعوات زوجة أخيه التي تحث أخيه "أنوب" علي ابعاده، ولكنه فضل الصمت أيضاً، فهو يعلم علم اليقين، أن الحديث في تلك الأمور ستكون نهايتها خصومة اما ما بينه وبين أخيه "أنوب"، أو ما بين "أنوب" وزوجته "ميريت".

حاول "باتا" بعد ذلك جاهداً الإبتعاد عن جلسات السمر التي كانت تجمع ثلاثتهم، واكتفي فقط بالجلوس مع أخيه في الحقل صباحاً، ومباشرة أعمالهم سويًّا.

غضبت "ميريت" من ذلك كثيراً واقتنعت أنه يحاول الإبتعاد عنها، نعم أعجبت به بشدة، جسده القوي، وطوله الفاره وعضلاته العظيمة، كل ذلك جعلها تتمناه في داخلها، وأما رفضه إياها فقد جعلها تكرهه، تحبه وتكرهه في ذات اللحظة، تحاول التقرب منه كلما سنحت الفرصة، وتتحدث إلى أخيه من أجل تقليبه عليه وابعاده للأبد عن حياتهما، هي لا تعلم ماذا تريد.

ربما هي تريده بالفعل، ولكنها لا تتقبل أبداً اعراضه عنها ... فليكن اذاً ... أنت من اختار ... فليعني اعراضك عني هو نهاية علاقتك بأخيك "أنوب" ... هكذا تفكرت "ميريت" في نفسها.

وفي أول فرصة تحدثت مرة أخري "ميريت" إلى "أنوب" قائلة:

-         هل تشعر بذلك الأن يا حبيبي "أنوب" ... إن "باتا" لم يعد يبتهج بمجالستنا ... قلت لك من قبل ... انه يضمر شيئاً ما تجاهنا.

قطب "أنوب" حاجبيه، وشعر بغصة عميقة في قلبه ... أخيه المحبوب الذي لم يتركه قط لو يشعره بعدم وجود أبيه وأمه ... فكان له دائماً الأب والأم ... فقط يراه في الأرض ... يزرع ويحصد ويعمل ... لم يعد حتي يتحدث إليه كما السابق ... تغير كثيراً

-         نعم ألاحظ ذلك ... لا أدري ما به.

هكذا قال "أنوب" في أسي ... ثم أردف قائلاً:

-         ربما ينبغي علي أن أتحدث إليه وأعرف ما فيه.

اقتنصت "ميريت" ذلك وقالت في سرعة:

-         ماذا يكون به؟ أعتقد أنه قد يفكر في أخذ نصيبه من الأرض والإستقلال بها ... ولكنه لم يجرؤ بعد عي مفاتحتك ... لطالما طلبت منك ابعاده وترضيته ... كنت أعلم أن هذا اليوم أت لامحالة.

-         لا أعتقد ذلك "ميريت" ... هناك ما يجعله متوتراً تلك الأيام ... تلك ليست طبيعته.

خافت "ميريت" في نفسها ... هل يقول "باتا" شيئاً لأخيه عن محاولاتها ... ما هو دليله ... ان حدث ذلك فستنقلب عليه الطاولة ... لن توفر له تلك الفرصة أبداً.

هكذا تحدثت داخل نفسها ... قطعت ذلك التفكير ثم قالت لزوجها "أنوب":

-         أخاف أن أقول لك أنني أرتاب من نظراته إلى أيضاً.

اندهش "أنوب" من تلك الملاحظة:

-         ماذا؟ أخي؟

تذكر بعدها أن أخيه يتجنب النظر إلى امرأته مؤخراً ... النظرات العادية التي ينظرون بها جميعهم إلى بعضهم البعض، فقال:

-         وبماذا تفسرين عدم قدومه مؤخراُ إذاً؟

-         لا أعلم ... ولكن ينبغي فقط الحذر.

هز "أنوب" رأسه بذات الأسي قائلاً:

-         نعم ... نعم ... أوافقك الرأي ... ينبغي الحذر.

سمعت البقرة "أيا" كعادتها الحديث ... وفي اليوم التالي أخبرت صاحبها "باتا" بما حدث ... وبينما هي تخبره ما كان من أمر "أنوب" أخيه، حتي دمعت عينا "باتا" ... هو يحب أخيه ويتمني له دائماً الخير ... لا يريد الإبتعاد عنه أبداً ... كم تمني أن تكون "ميريت" له أخت ... بدلا من كل تلك المؤامرات

-         "لماذا كل هذا الظلم أيضاً؟ أنا لم أفعل شيئاً"

 قال "باتا" ذلك ل "أيا" وقطرات من الدموع تتساقط من وجنتيه، فأجابته "أيا" قائلة:

-         تحدث إليه، لا ينبغي الصمت أكثر من ذلك.

في تلك اللحظة دخل "أنوب" الحظيرة ... فنظر إلى أخيه في استغراب قائلاً:

-         هل كنت تتحدث إلى البقرة؟

لم يكن "أنوب" يعرف عن مهارات "باتا" في التحدث إلى الحيوانات ... فلم يريد "باتا" اخافة أخيه منه ... واكتفي بحفظ السر في داخله.

-         لا أتحدث إليها يا أخي ... بل أتحدث إلى نفسي.

هكذا أجاب "باتا" ... نظر "أنوب" إلى وجه أخيه، ولاحظ بعض الدموع في عينيه، فقال له مستفسراً:

-         ماذا بك ... هل تبكي؟

-         لا شيء يا أخي ... أنا لم أنم جيداً وتراني متأثراً اليوم.

لم يقتنع "أنوب" بذلك ... هل ينظر "باتا" إلى زوجتي "ميريت" كما أخبرتني بالأمس؟ هل يتعذب من أجل عدم استطاعته الوصول إليها؟ يا لك من وضيع يا "باتا" لا أتخيل ما أنت عليه الأن من خسة، هكذا قال "أنوب" في نفسه.

في اليوم التالي وقبل أن يذهب "أنوب" إلى الأرض حكي لزوجته كل شيء، ولكنه كان متردداً بعض الشيء بخصوص أخيه ... فكل ما هنالك افتراضات ... ولا يعرف بعد هل أخيه يريد الانفصال عنه؟ ... هل يحسده على زوجته ويشتهيها في نفسه؟ لم يجد إجابة، ولكن "ميريت" قالت له أن لديها فكرة ستكون هي الحسم في ذلك كله.

-         ما رأيك أن ترسل أخيك غداً إلى المنزل بحجة احضار البذور، سأكون أنا موجودة هنا وأعرف نواياه، ان أخذ البذور دون أن يلمح إلى بشيء سيئ فهو برئ .. وان حاول مراودتي عن نفسي بأي شكل ... انكشف، وأخبرتك علي الفور.

اقتنع "أنوب" بالفكرة، فقال لإمرأته:

-         اذاً فسأتبعه إلى المنزل دون أن يشعر وأري كل شيء بنفسي.

-         لا لا ... إن اكتشف أنك تراقبه، فكأننا لم نفعل شيئًا... لا تبرح الأرض ودع الأمر لي.

وافق "أنوب" علي الخطة ... فذهب إلى أرضه وهو يضمر تنفيذ ما اتفقا عليه.

سمعت البقرة "أيا" الحديث فصلَّت إلى الإله رع كي يرسل إليها "باتا" كي تخبره بما تم في غيابه، ولكن ذلك لم يحدث.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق